الثلاثاء، 4 مايو 2010

مسعد صادق... شيخ الصحفيين











شيخ الصحفيين... مسعد صادق
رحلة كفاح من أجل صاحبة الجلالة

إن الحياة هى هى.. أمس واليوم وغداً.. صورة متكررة متلاحقة يأخذ بعضها بتلابيب بعض، وهى لا تخلو من محن وفواجع .. فلا مناص من تقبل الحياة بكل ما فيها بخيرها وشرها، بمباهجها وهمومها وأحزانها.. لهذا علينا أن نحاول التخفيف من أثقالها والتهوين من متاعبها، وأن ننزع الحصى والعثرات من طريق الناس، لأننا سنمشى على الطريق نفسه، وستدمى أرجلنا مما قد نتركه فيه من أشواك

منذ أن أمسك مسعد صادق بالقلم وبدأ حياته كاتباً صحفياً، كرس نفسه وقلمه للدفاع عمن ليس لهم من يدافع عنهم، فآمن برسالة دفع الظلم عن المضطهدين، كان يعرف منذ البداية أن تمسكه بهذه الرسالة سوف يمضى به فى طريق محفوف بالمخاطر، ولكنه وجد فى مهنة الصحافة التى كان يطلق عليها" مهنة البحث عن المتاعب" ما يعنيه على إداء رسالته.
ولد مسعد صادق فى 14 مايو 1916م فى قصر فى مدينة مطاى بمحافظة المنيا، وفى منتصف الثلاثينات من القرن الماضى مُنى والده بخسائر فادحة فى تجارة الأقطان فباع القصر وجاءاً إلى القاهرة ليسكنا شقة بالإيجار فى أحد البيوت بشارع جزيرة بدران بشبرا.
منذ حداثته وكان مولعاً بالقراءة، ولم يكن فى وسعه شراء الكتب ليقرأها فكان يقرأ كل ما تصل إليه يداه من أوراق وكتب وبلغ من شغفه بالقراءة أنه كان يحصل على قراطيس اللب بعد ما يفرغ ما بها ويُقبل على قرائتها، وفى نهاية مرحلة دراسته الإبتدائية عرف الطريق إلى دار الكتب وكان اسمها انذاك "الكتبخانة" وظل يتردد عليها إلى مابعد دراسته الثانوية بصفة يومية حتى إغلاق أبوابها وفيها تعرف على مديرها منصور فهمى باشا مدير دار الكتب، وكتب تحقيقاً فى صفحة الثقافة العامة بجريدة كوكب الشرق عام 1936م أبدى فيه بعض الملاحظات على سير العمل فى دار الكتب، فأرسل إليه منصور فهمى خطاب شكر وعد فيه بالأخذ بجميع المقترحات وشجعه على المضى فى العمل الصحفى، وفى العام نفسه دعاه الكاتب " سلامة موسى" للعمل معه بجريدة مصر اليومية، وكان سلامة موسى يكتب إفتتاحية العدد بالعمود الأيمن ومسعد صادق يحرر باباً بالعمود الأيسر بعنوان فى الصميم، وظل يواصل الكتابة فيها إلى أن توقفت عن الصدور ثم أصدر بعدها عشرات الصحف والمجلات.
وفى يناير عام 1952م ألفت هيئة الوحدة الوطنية وأختير مسعد صادق سكرتيراً لها، وأشادت الصحف وقتها بنشاطها لدعم الوحدة الوطنية.
وفى يونيه 1952م أصدر جريدة الفداء وكتب فى عددها الأول مكرم عبيد باشا وقال عنها أنها صرح شامخ للوحدة الوطنية والدفاع عن المظلومين، وخاضت الفداء عدة معارك منها فصل الدين عن الدولة منتهزة فرصة الإعداد لدستور جديد فى ظل ثورة يولية وإحتل العنوان الرئيسى لعدد 29 ديسمبر 1956م المطالبة بدستور قومى يصون الوحدة الوطنية.
وفى الوقت الذى كان فيه الكاتب يؤدى رسالته فى الفداء كان هناك من يضيق بهذه الرسالة ويتحين الفرصة للإيقاع بها، ففوجئ الكاتب بدعوته لزيارة مكتب عبد المنعم شميس بإدارة المطبوعات ومعه الدكتور لويس دوس الذى كان مدرساً بكلية الطب وفصل من عمله بسبب كتاباته الجريئة، وقد لبوا الدعوة غير أنهم فوجئوا بأن وزير الإرشاد القومى محمد فؤاد جلال ووكيل الوزارة فى إنتظارهم ومعهم أنور السادات الذى كان أنذاك عضواً فى مجلس قيادة الثورة ومسئولا عن الشئون الدينية، وإنتهى اللقاء بحظر الكتابة فى الشئون الدينية، غير أنهم بعد أيام ساقوه إلى سجن الاجانب بباب الحديد ثم السجن الحربى بالعباسية وأمضى هناك شهرين دون أن يوجه إليه أى إتهام، وقبيل الإفراج عنه دعاه زكريا محى الدين وطلب منه أن يخفف من حدة كتاباته، وفى غضون ذلك أُصدر أمر عسكرى بتعطيل الفداء وفصل الكاتب من عضوية نقابة الصحفيين على الرغم أنه كان من الرعيل الأول لإنشائها، وبعد محاولات شتى من الكاتب إستطاع إعادة قيده، وذلك فى أكتوبر 1955م.
أصدر مسعد صادق جريدة النيل وما كاد يُصدر منها بضع أعداد حتى صدر قرار بتعطيلها فأصدر بعدها جريدة المستقبل وظلت عدة أشهر إلى أن صدر قرار آخر بإيقافها، وأمام كل تلك التحديات لم ييآس مسعد صادق بل سعى لإعادة إصدار جريدته الأولى تحت مُسمى "الفداء الجديد" وبالفعل بزغت للنور غير أنها لم تلبث حتى توقفت هى الأخرى.
وفى سنة 1958م أختير مسعد صادق عضواً بلجنة الشكاوى بنقابة الصحفيين وشهد العام نفسه مولد جريدة وطنى التى إشترك فى تحريرها، وتعد وطنى أول صحيفة حرة تصدر فى فجر الثورة بعد أن عصفت الأيام بصحف عديدة فتوارت، غير أن وطنى صمدت وتمسكت بمبادئها فى ترسيخ المواطنة بين أفراد الشعب.
ظل مسعد صادق طوال عمله فى جريدة وطنى يحرر باب" من الصميم" فتح فيه ملف الأديرة القبطية وما يصيبها من تلف وتبنى قضية إحياء التراث القبطى، وفى عام 1978 كتب مقالاً تحت عنوان "الوحدة التى انتصرت على عوامل الشر" وذلك بعد الخطاب الذى ندد فيه الرئيس أنور السادات بمحاولات النيل من دور العبادة فكتب مسعد صادق:
" أن قوى الشر تتحين الفرصة بين وقت وآخر لتحاول الإنقضاض على مقدساتنا والتسلل بين صفوفنا لتفكيك وحدتنا فهى لا تعيش إلا فى الخفاء"
قال الدكتور رفعت السعيد عن مسعد صادق: "مسعد صادق علم من أعلام النضال الديمقراطى والدفاع عن الحرية وعن الوحدة الوطنية"، ودعا السعيد كل أنصار الوحدة الوطنية لإقامة حفل يليق بمسعد صادق وما قدمه لمصر وشعبها، وبالفعل فى مارس 1966م قدمت إليه نقابة الصحفيين شهادة تقدير موقعا عليها من النقيب حافظ محمود جاء بها: "مجلس نقابة الصحفيين يسجل لكم فى سجل الشرف الصحفى ما قدمتم من خدمات فى أسبوع العيد المئوى للصحافة الوطنية. شكراً وتقديراً لكم من الأعماق".
وفى سنة 1975م أصدر كتاب " حينما أحتوتنى الجدران السميكة" سجل فيه مذكراته عن مدة إعتقاله، وفى سنة 1996 أصدر كتاب " ظاهرة تجلى أم النور مع السنة من نار ونور ومعجزاتها فى شبرا أثناء وبعد الظهور".
يبدأ الإنسان رحلته على الأرض وليداً بالبكاء، وتنتهى رحلته عند رحيله بالبكاء، والمرحلة ما بين البداية والنهاية لا تخلو من الآلام والدموع، إنما الذى يقضى عمره على الأرض فى تخفيف الآلام ومسح الدموع، هو الذى تخفف عنه الأثقال
ومع إقتراب أيامه الأخيرة كرمته نقابة الصحفيين فى 10 يونيه 2000 ، وسلمه إبراهيم نافع نقيب الصحفيين درع النقابة مُسجل عليه "تقديراً وعرفاناً بعطاء وريادة شيخ الصحفيين الأستاذ مسعد صادق".
وبعد فرحة التكريم مع أسرته وأحبائه رحل مسعد صادق عن عالمنا بهدوء فى 25 سبتمبر عام 2000 بعد أن أمضى عمره فى خدمة بلاط صاحبة الجلالة ممسكاً بقلمه مدافعاً عن المظلومين حتى النفس الأخير

فرج فودة... القلم الجرئ



"فرج فودة" صاحب القلم الجريءعاش عاشقاً للنيل ورائداً للتنوير.. واغتيل لمجابهته طيور الظلام والتكفير

إعداد: مريم مسعد صادق
من أجل معشوقته مصر، وجمال عينيها ذي اللون النيلى الخلاب، وسُمرة بشرتها الصافية، وفيض خيراتها الجزيلة، وخفة دمها الساخر، وأصالة تاريخها المجيد، وتفكيرها المُبدع الحيوي، ضحى فرج فودة بكل ما يملك من أجل محبوبته، غير مبال بما قد يصوب على صدره من رصاص التكفير وهجوم الرجعيين، منهضاً محبوبته من سبات تلقين العقل والضمير ليضخ فيها الإبداع من جديد ويُعيد مجد حضارتها العريق، كل هذا لأنه حقاً أحبها. حُبها بدأ معه منذ ولادته في محافظة دمياط في العشرين من أغسطس عام 1945، فعمل جاهداً كي يُعلن لها عن حبه واستحقاقه لها، فحصل على بكالوريوس الزراعة في يونيو 1967، وماجستير العلوم الزراعية في أبريل 1975، ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي في ديسمبر 1981، وعمل مُعيداً في كلية زراعة عين شمس، ثم عمل فترة في اليمن خبيراً زراعياً ثم في جامعة بغداد مدرساً. ورغم كل تلك النجاحات المتوالية، إلا أن تاريخ محبوبته كان يئن أمامه ما بين التطلع للمستقبل والنهضة وهجوم الراجعين، تخيل فودة محبوبته وهى تُبعث من جديد.. عظيمة ومنطلقة.. قوية وصادمة.. قادرة وحية.. معطاءة كعهدها.. للخير والحضارة، والعدل والضمير. فعاد إلى مصر ليفتتح مجموعة فودة لدراسات الجدوى الاقتصادية، هذا العمل الذي استمر معه حتى النفس الأخير، وسرعان ما انخرط في حزب الأحرار والذي تركه لينضم لحزب الوفد حتى أصبح أحد قادته الشباب، ولم يلبث أن أحدث تغييرات لنهضة الفكر والتعليم، حتى تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين عام 1984م، فترك الحزب احتجاجاً، ومن هنا بدأ الطريق يتراءى أمام فودة في الدفاع عن الدولة المدنية فألف كتاب "الوفد والمستقبل"، والذي ناقش فيه تاريخ الوفد العريق ومستقبل الحياة السياسية في مصر، مع تفشى الجامعات الإسلامية والتي نجحت في فترة وجيزة في استقطاب عدد من الشباب والأئمة ذوى الطموح حتى أتيحت لهم شعبية طاغية وأنصار لا حصر لهم، فأصبحوا من نجوم الكاسيت في غيبة الأحزاب السياسية والمناخ الديمقراطي الذي يسمح بالأخذ والرد والمناقشة. وقال فودة في كتاب الوفد والمستقبل: "إن النجاح الحقيقي الذي حققته الاتجاهات السياسية الإسلامية المتطرفة، لم يتمثل فقط في تواجدها المنظم في الحياة السياسية المصرية، مع إبداع أساليب تنظيمية أكثر ذكاء وتواؤماً مع الظروف الحاضرة، بل تمثل أساساً في إشاعة جو من الإرهاب الفكري السياسي. لقد نجحوا في ظل غياب الديمقراطية في أن يسحبوا الفكر المصري معهم إلى ركن مظلم، يفضل أن يلوذ فيه بالصمت. إن عديداً من الأسئلة التي سبق وطرحها المصريون في العشرينيات لا يجرؤ مفكر على أن يطرحها اليوم، إن لفظ العلمانية وهو ببساطة الفصل بين الدين والسياسية أصبح جريمة.. وعلى ضوء هذا الصراع سوف يتحدد المستقبل، الانتماء للمستقبل أم الماضي، الديموقراطية أم الإرهاب، الليبرالية أم القهر، الانتماء للعصر أم للتاريخ، مصر أولاً أم العقيدة أولاً؟وعن المواطنة وحرية الرأي قال فودة: "أنه في ظل حرية الفكر تورق النفوس ويزدهر الحوار وتتفتح الملكات وفى غياب حرية الرأي لا مكان لزمجرة رياح التسلط حين تصطدم بالأشجار الذابلة الجوفاء، وإنه من المثير للدهشة أن تشتعل الفتنة الطائفية في مصر من وقت لآخر، مما يقطع بأن جذورها كامنة تحت الرماد وأنها تهدد الوطن كله بخطر جسيم خاصة وأن أسبابها موجودة ومتعددة بل ومتزايدة، ونحن في العقد التاسع من القرن العشرين نعانى من جمود وتخلف أكثر مما كان عليه الأمر في العشرينيات أو الثلاثينيات حين ارتفعت دعوى سعد (الدين لله والوطن للجميع) وحين كان يرأس مجلس النواب وهو المجلس التشريعي أحد الأقباط وهو ويصا واصف، وحين كان يسمح مناخ الفكر بإصدار كتاب الشيخ على عبد الرازق" الإسلام وأصول الحكم". غير أن تلك الأفكار التنويرية التي تبناها فودة لم تلاقى قبولاً لدى كثيرين فهاجمهوه واتهموه بالكفر، ولم يقتصر تصويب رصاص التكفير عليه فحسب بل امتد إلى أهل بيته، وقد عبر عن ذلك في مقدمة كتابه "نكون أو لا نكون" والذي صدر عام 1992 وقال فودة فيه: "إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده تصديقاً لمقولة آبائهم عنى.. إليهم حين يكبرون، ويقرأون ويدركون أنى دافعت عنهم وعن مستقبلهم، وأن ما فعلوه كان أقسى على من رصاص جيل آبائهم". ولكن في سبيل عشق فودة لمصر، لم يعبأ بتلك التحديات، ولم يبال بأية اتهامات، بل عاش وقلمه يكتب في ثبات، دفاعاً عن إيمانه وعقيدته ووطنيته فقال:"إن عليهم أن يفكروا قبل أن يكفروا، وأن يواجهوا مشاكل المجتمع بالحل، وأن يعلموا أن الإسلام أعز من أن يهينوه بتصور المصادمة مع العصر، وأن الوطن أعز من أن يهدموا وحدته بدعاوى التعصب، وأن المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الرصاص، والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم، وهى أنهم ليسوا وحدهم.. جماعة المسلمين". فنشر في يناير 1985 كتاباً بعنوان "قبل السقوط" والذي كان بمثابة حوار هادئ مع الجامعات الإسلامية وإن كان قد ناقش بعض القضايا الساخنة عن إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية. قال فودة: "إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد وأن يقود إلى دولة دينية والدولة الدينية لابد وأن تقود إلى حكم بالحق الإلهي لا يعرفه الإسلام أو قل عرفه فقط في عهد الرسول، والحكم بالحق الإلهي لا يمكن أن يقام إلا من خلال رجال دين إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة مما يؤدى بالتأكيد إلى انهيار الوحدة الوطنية في مصر". كما كتب فودة عدة مقالات في عدد من الصحف والمجلات، كالأخبار والأهرام والمنار والأهالي والأحرار وطبيبك الخاص والأيام السودانية والنور والمصور، تضمنت موضوعات شتى عن الشباب والتطرف، والفتاة المصرية وقضية الدين، وزواج المتعة والفتاوى، وقد جُمعت في التسعينيات ونشرت في كتاب بعنوان" نكون أو لا نكون"، هذا بالإضافة إلى العديد من الكتب أصدرها فودة: الطائفية إلى أين؟ الملعوب، الإرهاب، النذير، حوار حول العلمانية ، الحقيقة الغائبة، قبل السقوط،، الوفد والمستقبل. ولم يلبث وأن أحدثت إصداراته ضجة بالشارع المصري وإفاقة للعقول المُغيبة، وتسامحاً في النفوس المتعصبة، حتى شُنت عليه الهجمات فكان يرد عليها بشجاعة وشفافية من منطلق رؤيته للأحداث وثقافته الغزيرة، كما كان يقبل كل دعوات الندوات والمناظرات، والتي كان أخرها مناظرة معرض الكتاب عام 1992 مع محمد عمارة والشيخ الغزالي ومأمون الهضيبى حول الدولة المدنية والدولة الدينية، والتي أبدع فيها فودة ولم يستطع مُهاجموه الرد عليه، غير أن التنويريين من تعلقوا بأفكاره وتشبثوا بآماله لم يكونوا يعلمون أنها ستكون المرة الأخيرة لرؤيته، حيث أصدرت جماعة إرهابية بياناً بتكفيره، وكان فودة في غضون تلك الحملة الشرسة بصدد إشهار حزب جديد باسم "حزب المستقبل" ليقف ضد تيار التطرف الدموي الذي كان يستبيح دماء الأقباط وأموالهم، ونشرت الصحف البيان التمهيدي الرسمي عن الحزب وكان فرج فودة يشغل الرقم الثاني وأحمد صبحي منصور يشغل الرقم السادس، وهما اللذان كانت تربطهما صلة صداقة وثيقة، والتي امتدت أصابعها لصديقه فاتهم هو الآخر بالتكفير مع فودة في البيان الذي صدر بجريدة النور في يوم الأربعاء من يونيو عن جبهة علماء الأزهر وعلي رأسهما الشيخ عمر عبد الرحمن وقد طالبت الجبهة من لجنة شئون الأحزاب بعدم الترخيص لحزب المستقبل، ويروى أحمد صبحي تفاصيل اليوم الأسود الذي بكت فيه محبوبته مصر فيقول: "رأيت على مكتب فرج فودة صبيحة يوم الأربعاء الجريدة التي تحمل بياناً بتكفيرنا وإجازة قتلنا، وقال لي فودة لابد وأن أرد عليهم، قلت له لا تفعل إنهم لا يستحقون، وكان مقرراً أن يسافر فودة إلى فرنسا بعد عيد الأضحى مباشرة ليستأنف إجراءات إقامة الحزب، حيث كان قد حصل على موافقة بتأسيسه، غير أن القدر لم يمهله ففي يوم الاثنين 8 يونيو 1992 في تمام الساعة السادسة والربع أمام الجمعية المصرية للتنوير بشارع أسماء فهمي التي أسسها، صوبت نيران الجهل والتخلف رصاصها على صدر فرج فودة فاخترقت قلبه الذي كان مليئاً بعشق محبوبته مصر، وبكت معه مصر لفقدان رائد تنويرها. أطلقوا رصاصهم عليه ولم يدركوا أنهم صوبوه في قلب معشوقته مصر. سقط فودة ودماؤه تسيل على الأرض وهو يقول "ويا مصر.. يعلم الله أنني أحبك بلا حدود وأعشقك حتى آخر قطرة من دمى وأتعبد في محرابك بكل ذرة من كياني، وأدفع حياتي كلها ثمناً لبقائك متماسكة". من أقوال فرج فودة: • إن علينا جميعاً واجباً أساسياً وتاريخياً، وهو أن نترك لأبنائنا مناخاً فكرياً أفضل، وهو أمر لا يتأتى إلا بمواجهة الإرهاب الفكري بكل الشجاعة والوضوح والحسم، ومادام الشيخ وأنصاره قد اختاروا المجلس النيابي منبراً فليتحدثوا بلغته، وليس للمجلس إلا لغة واحدة، وهى لغة السياسة، وليس له إلا جنسية واحدة.. وهى جنسية مصرية. • هل ترهلت عقولنا حتى عز عليها التفكير، وتفرقت أفكارنا حتى عز عليها التجديد، وترفعت طاقتنا عن الإبداع وقدراتنا عن تصور النسبية في الصواب والخطأ، وأذهاننا عن استيعاب مفهوم الفكرة والنقيض، فاسترحنا إلى أول طارق يعد بإلغاء كل ذلك، وإحالة كل أمر إلى أعلى، وعز علينا عجز القدرة فاستبدلناه بقدرة العاجزين؟ • إننا جميعاً في حاجة إلى إعادة توزيع الأدوار من جديد... ليتكلم رجال الدين في الدين، وليتكلم رجال السياسة في السياسة، أما أن يرفع رجال الدين شعارات السياسية إرهاباً، ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطاباً، فهذا هو الخطر الذي يجب أن ننتبه له.. • إن الإرهاب لا ينمو بصورة ذاتية، بل يتواجد بقدر ما نتيح له من مناخ، ويتوالد بقدر ما نتراجع أمامه، ويقوى بقدر ما نخاف، ويعلو صوته بقدر ما نخاف، ويعلو صوته بقدر خفوت أصواتنا، ويزداد رصيده بقدر ما نسحب منه حساب الشجاعة في بنك المستقبل.. • نرفض رفضاً تاماً أي دعوة لإنشاء دولة دينية تحت أي شعار... إن بلادنا ليست في حاجة إلى تكرار تجربتها المريرة مع الحكم المستتر خلف شعارات الدين لأكثر من ألف عام على هذه الأرض. • إذا كنا نرفض تدخل الدين في السياسة.. فإننا أيضاً ندين تدخل السياسة في الدين، إن تسييس الدين أو تديين السياسة وجهان لعملة واحدة، هي انهيار الوحدة الوطنية في مصر.

مسعد صادق




مدارس الأحد والإصلاح المنشود

http://www.eltareeq.com/Pages/Pg_Main_M.aspx

مدارس الأحد والإصلاح المنشود
إعداد: مريم مسعد صادق
الكنيسة صرح عظيم, يضم بداخله أبناء المسيح بمنأى من الفساد والشرور, وذلك باتباع طريقة واحدة وسياسة كنسية واحدة, إذ يكون الجميع معاً بنفس واحدة. ولكن عندما تتحول الجمعيات والهيئات من خدمة الكنيسة إلى خدمة أنفسها كهيئات مستقلة, ومن مجد الكنيسة إلى مجد كيانها الذاتى, ويصبح الدستور العام هو التفكير الخاص بالجماعة, عندئذ تنقسم الهيئات, فيزداد عددها ويقل انتاجها، ذلك لأن كل بيت ينقسم على ذاته يخرب. هكذا كان حال المجتمع القبطى آنذاك, حتى انطلقت دعوة الإصلاح والتى نادى بها مجموعة من الشباب وجدوا فى الحملات التبشيرية والإرساليات الأجنبية ضالتهم المنشودة والتى ما لبثت حتى قوبلت برفض تام من جانب الجهات الكنسية والتى قامت بإغلاق المعهد الذى كان قد تم تأسيسه عام 1843 لتعليم كهنة الأقباط وذلك باعتباره خروجاً عن التقاليد المسيحية, كما حذرت الكنيسة الشعب من الانجراف نحو تلك البدع. وفى وسط كل تلك الاضطرابات التى لاحقت الشعب القبطى, نمت فكرة مدارس الأحد فى أذهان كثيرين, إلا انها لاقت قبولاً كبيراً لدى حبيب جرجس عام 1900 وذلك عندما كان يعظ فى جمعية النشأة القبطية بحارة السقايين, وطلب منه أحد الحاضرين تخصيص يوم الجمعة لإلقاء عظات ودروس دينية عليهم, وذلك لأن أوقاتهم لم تكن تسمح بحضور يوم الأحد الذى كان مخصصاً ليتلو عليهم محاضراته. وبالفعل وافق حبيب جرجس وعقدت الاجتماعات يومى الأحد والجمعة, تلك الاجتماعات التى أسفرت عن تأسيس جمعية دينية أسموها بـ "جمعية الإيمان" وكان مقرها بحى الفجالة, وما أن انتشرت وتوسعت, حتى تفرعت منها عدة جمعيات مثل جمعية الإيمان بشبرا وعدة مستشفيات أيضاً. كما شهد العام نفسه تأسيس جامعة "أشعة حب يسوع " والتى كان عدد أعضائها يزيد عن الخمسمائة متخذين لأنفسهم نظماً خاصة للنمو والتقدم فى النعمة والحياة الروحية, وفى عام 1905 تولت الجامعة مسئولية تعليم طلبة المدارس الأميرية الدين المسيحى إلى أن تقرر التعليم الدينى بالمدارس الأميرية عام 1908 بفضل جهود مرقس باشا سميكة - وهذا القرار لم ينفذ فعلياً حتى عام 1927 - بعدها اتجهت جامعة أشعة حب يسوع إلى تعليم البنات الفقيرات من أبناء الشعب القبطى بالمجان. وفى هذه الأثناء أصدر حبيب جرجس سلسلة كتب بعنوان "خلاصة الأصول الإيمانية فى معتقدات الكنيسة القبطية" فى ثلاثة أجزاء بطريقة "الكاتشيزم" أى السؤال والجواب, وتلك كانت الطريقة التى كانت تتبعها الإرساليات الأجنبية قبل ذلك, وناقشت السلسلة موضوعات عدة كالتجسد والفداء وأسرار الكنيسة والصلاة وقانون الإيمان وحياة السيد المسيح وموته وقيامته, كما تقرر تدريس الكتاب بأجزائه الثلاثة بالمدارس القبطية والأميرية فيما بعد, ويُعد أول منهج دينى مسيحى يُدخل إلى المدارس بفضل سواعد أبناء مدارس الأحد الذين انطلقوا لخلق جيل مسيحى جديد يحمل على عاتقه مسئولية النهوض بالبلاد وإرجاع الأمجاد المسيحية. وتعويد الأولاد والبنات حفظ يوم الأحد, والمواظبة على حضور الكنائس وسماع القداس, وكانت آيام الآحاد مخصصة للمدارس القبطية, وآيام الجمعة للمدارس الأميرية. كما تولت مدارس الأحد مسئولية تعليم الإنجيل للنشء لتجعل من طلابها أعضاء حية وقوة نافعة للكنيسة, وذلك من خلال تعويدهم على ممارسة الأخلاق السامية, وتحذيرهم من الوقوع فى الخطايا المنتشرة بين الأولاد كالحلف والكذب, وإعدادهم ليكونوا رجالاً نافعين لوطنهم وبث الروح القومية فيهم, وحثهم على خدمة بلادهم, وذلك من خلال إلقاء دروس أسبوعية بواسطة معلمين أكفاء من خريجى المدرسة الإكليركية, وتنظيم رحلات رياضية روحياً وجسدياً حتى ينمو فى النعمة والقامة معاً, وتدريبهم على الاشتراك فى العطاء ومواساة المرضى والفقراء. قيل إن من فتح مدرسة علمية فقد أغلق سجناً فكم بالأحرى إذ كانت مدرسة دينية, لاشك أنها سوف تفتح أبواب الإصلاح. غير أن تلك الأفكار لم ترق لكثيرين من القيادات الكنسية آنذاك فكتب الأنبا غبريال أسقف دير الأنبا أنطونيوس وبوش عن مدارس الأحد ونشأتها وقال: "إنها جماعة مدسوسة على الكنيسة, استغلت بعض السذج من الشعب فى صورة حملة المشاعل بين أبناء الكنيسة، وتمكنوا بالخديعة والمكر أن يلفتوا اليهم أنظار الناس ويكسبوا إعجابهم, تلك هى مدارس الأحد المرفق الذى أخذوا ينفقون عليه بلا وعى وذلك فى سبيل نشر المبادئ التى تصبو إليها أنفسهم, فأى تعليم هذا الذى يسمح باختلاط الشبان والشابات فى مكان واحد يحيط به النقد اللاذع" هذا على حد قوله. وراح الأنبا غبريال يتهم فى كتابه مدارس الأحد أنها تتجاهل القيادات الكنسية ورجال الدين وتستأجر الأقلام القبطية فى الدعوة إليهم!! وقال عن مجلة مدارس الأحد أنها طفحت بمساعيهم فى الطعن على المطارنة والقسوس!! والغريب فى الأمر أن مجلة مدارس الأحد التى صدرت فى أبريل عام 1947 تمركزت أهدافها حول إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع, حتى يجد فى المجلة كل هؤلاء غذاءهم الروحى والاجتماعى والأدبى, هادفة لإيجاد مدارس مسيحية تُخرج جنوداً وخداماً للمجتمع الإنسانى، لا مدارس هزيلة عبارة عن آلات تُخرج شباباً جهلاء مساكين, وأن تكون الكنيسة كلها وحدة لا تنفصل. وبالفعل ضم العدد الأول من المجلة التى رأس تحريرها مسعد صادق عدة مقالات منها: مدارس الأحد للإيغومانوس إبراهيم لوقا, وركناً للغذاء وصحيفة للسيدات, وللأطفال، ومقالاً لإيريس حبيب المصرى عن الروحانية, ومقالاً عن المخطوطات القبطية, وحياة القديس اغسطينوس, وقصيدة كم قسا الظلم عليكى للأستاذ نظير جيد "البابا شنودة الثالث" هذا بالإضافة إلى ركن للفنون.. عدة موضوعات انفردت بها المجلة فى عددها الأول لتغطى من خلاله كافة الاحتياجات الإنسانية. ولازمت مدارس الأحد عدة حروب وصراعات حتى بزعت للنور من خلال صدق رسالتها وسمو أهدافها, حتى كتب عنها البابا كيرلس الخامس فى نوفمبر 1907مقالاً قال فيه: "من ترونهم اليوم أحداثاً هم رجال المستقبل, رجال الكنيسة، فعلموهم واعتنوا بهم وربوهم على الحق والفضيلة وازرعوا فى نفوسهم أغراس البر والنعمة, اجذبوا الشبان إلى الكنيسة وعلموهم أن يذكروا خالقهم فى أيام شبابهم, اعتنوا بالأولاد اليتامى وكونوا أنتم لهم آباء وأمهات لئلا يكبروا ويفسدوا ويصيروا عالة على الأمة القبطية". وقال البابا يوأنس فى نوفمبر 1938: "إن إنشاء مدارس الأحد والكلية الإكليريكية أشاع نور العلم والمعرفة بين كوادر الشباب القبطى..." واستمرت مدارس الأحد تؤدى الرسالة السامية حتى تألفت لجنة لإدارة شئونها نظراً لاتساعها وانتشارها، وتكونت تلك اللجنة من الايغومانوس بطرس عبد الملك رئيساً وحبيب جرجس مديراً للتعليم وإبراهيم تكلا مفتشاً عاماً ويوسف جرجس سكرتيراً عاماً, واتخذت من الكلية الإكليركية بمهمشة مقراً لها. وفى عام 1927 أعيد تكوين اللجنة العامة لمدارس الأحد من عشرين عضواً كان من بينهم أربعة كهنة والباقى من العلمانيين, ووصل عدد الدروس فى تلك السنة حوالى تسعة آلاف درس وامتدت الفروع حتى بلغت 85 فرعاً بين الوجه القبلى والبحرى والقاهرة وثلاثة بالسودان, وعقدت تلك اللجنة أول مؤتمر لها فى عام 1941 حضره خمسمائة خادم من خمسين فرعاً, وهدف المؤتمر إلى مواصلة السعى فى تعميم مدارس الأحد وإنشاء مكتبة لكل فرع وتوحيد دروس مدارس الأحد فى جميع الفروع. وقال البابا يوساب الثانى عن مدارس الأحد: "إنها تعد من أشد العوامل فى تغيير الأخلاق وتجديد الحياة الروحية, فلا نزاع فى أن إحضار الأولاد الأطفال من فجر حياتهم إلى المسيح وتعويدهم على الفضيلة منذ نعومة أظافرهم أفيد بكثير للكنيسة, لذلك رأينا أن نوجه أنظاركم للعناية بمدارس الأحد حتى نستطيع بناء جيل جديد قوي فى الإيمان راسخ فى المبادئ" هكذا نشأت مدارس الأحد التى استطاعت ترسيخ مبادئها فى نفوس الرعيل الأول من أبنائها. ولكن يدور السؤال: هل لازالت مدارس الأحد تقوم بدورها بالفعل؟ وهل نجحت فى تحقيق مساعى وآمال روادها الذين عانوا من أجل نشأتها؟ أم هى تحتاج لإصلاح آخر؟ المراجع:1- مدارس الأحد كيف نشأت وكيف تفشت الأنبا غبريال أسقف دير الأنبا أنطونيوس2- المدرسة الإكليركية بين الماضى والحاضر3- مجلة مدارس الأحد العدد الأول4- رسالة نهضة الكنائس 1940

موضوع عن تاريخ الصحف القبطية


الرابط: http://www.eltareeq.com/Pages/Pg_Main_M.aspx
الاسم:
الصحف القبطية.. تاريخ فى الوطنية وكفاح فى التصدى للأفكار السلفية
إعداد: مريم مسعد صادق

المجلة الجديدة .. باعثة النهضة
المنارة المصرية..الصوت الجهور
جريدة مصر والحركة الوطنية
لم يكن الأقباط بمنأى عن المشاركة الوطنية أو الحياة الثقافية المصرية، بل كانت صحفهم منارة يسير المصريون على دربها، وعندما تفشت الأفكار الرجعية كُرست أقلامهم للدفاع عن أبناء وطنهم ومن ليس لهم من يدافع عنهم، حتى أدرك الجميع معاً أسمى معانى الإنسانية "الوطن.. الحرية.. القيم".

جريدة مصر والحركة الوطنية ظل عدد من المستنيرين الأقباط يحملون بداخلهم حلم إنشاء جريدة قبطية تنطق بلسان حال الطائفة المسيحية خاصة والوطن عامة، غير مبالين بما قد يواجهونه من دعاة الهزيمة والرجعية، وبدأوا بجمع أشلاء أنفسهم، فأُنيب أخنوخ فانوس عن الأقباط الإنجيليين، وحليم بك غالى عن الأقباط الكاثوليك، وتادرس بك شنودة المنقبادى عن الأقباط الأرثوذكس، لإصدار جريدة قبطية وطنية، غير أنه لضيق ذات اليد ظل المشروع طريح الفراش عدة سنوات، تخللها احتراف فانوس المحاماة وحليم غالى الزراعة وابتعاد كل منهما عن الصحافة، ولم يتبق منهما سوى شنودة المنقبادى الذى باع كل أملاكه فى سبيل بزوغ جريدته للنور والتى صدرت بالفعل فى 22 نوفمبر عام 1895، واستهل فاتحة جريدته فكتب: "... اللهم استمع أدعيتنا وتقبل طلبتنا، وأنر بروح الحكمة والفهم بصيرتنا، ولا تجعلنا نهتم بشئون الغير قبل الاهتمام بشئون أمتنا وإصلاح داخليتنا، ورفع راية العدالة والحرية والمساواة على ربوع أمتنا". وقال المنقبادى أن هدفه من إنشاء الجريدة "... نظرت إلى حالة المصريين بعين التأمل وإذ ببذور التدهور والتفكك فى طور النمو، ووجدت أنه من العار أن لا يكون للأقباط جريدة معتدلة تعمل بقلب مخلص وغيرة صادقة على خدمتهم وقيادتهم إلى المبادئ القويمة والإصلاح الصحيح". وتحت عنوان "الاتحاد قوة" ذكرت الجريدة: "إن أبناء الوطن يجب عليهم الاهتمام بالمصالح العامة طالما حكام الأمة يعاملون جميع أفرادها حسبما تقتضيه أحوال العدالة وقوانين المساواة... وأن أية أمة تنقسم على ذاتها مصيرها الخراب، وأى شعب تمسك أفراده بأذيال الاختلاف كان هدفاً لمخالب التطرف، فكفانا انقساماً...". ونشر سينوت بك حنا سلسلة مقالات فى الجريدة تحت عنوان "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا" حتى أن الإنجليز كانوا يصفون الجريدة بأنها الجريدة الوطنية المتطرفة!! وظلت الجريدة تؤدى رسالتها فى الوقت الذى تلاشت فيه الصحف الأخرى كالمقطم والسياسة والجريدة رغم أن أصحابها كانوا من ذوى النفوذ والمال ولكن ظلت "مصر" تؤدى رسالتها فى مؤازرة الحركة الوطنية، فحدث وأن استدعت السلطة المنقبادى وطلبت منه التقليل من الواعز الوطنى فى كتاباته حتى لا يظهر الأقباط فى موقف التضامن مع المسلمين فى الدعوة للاستقلال، فأبى المنقبادى كافة عروضهم السخية قائلاً فى وجوههم: "إن الأقباط والمسلمون إخوان مصريون وحاشا أن لا يتكاتفوا لخير وطنهم" ولاقى فى غضون ذلك صنوفاً من الاضطهاد حيث تعرض عاملوا الجريدة للاعتقال والتعذيب، وعطلت الجريدة ثلاث مرات، وحكم على المنقبادى بعدة غرامات، كما حرمت جريدته من الإعلانات الحكومية والامتيازات الصحفية، ولم تحصل على الورق الكافى لصدورها أسوة بزميلاتها الصحف، ورغم هذا استطاعت الجريدة شق طريقها وسط خضم من الزوابع الجائحة، ولم تحل الرقابة الشديدة التى فرضت عليها دون تأييد الحركة الوطنية والجرأة فى الكتابة. وكانت الجريدة أول من دعا إلى إصلاح الأديرة وتعليم الإكليروس، فى الوقت الذى لم تكن فيه عبارة الإصلاح الطائفى تُسمع فى الآذان. فعلق عليها المصلحون أملاً كبيراً، إذ كان المجلس الملى حديث العهد وكانت السلطة الدينية تحاول أن تخنقه فى مهده، فانبرت "مصر" تدافع عنه وتفرغ المنقبادى تاركاً وظيفته ليجول فى بلاد الصعيد يحث ويعضد الأقباط على التمسك بالمجلس الملى حتى شكاه البطريرك إلى نظارة الداخلية فاستمال المنقبادى أنبا أثناسيوس وشجعه على قبول رئاسة المجلس لضمان تأدية رسالته، وظلت الجريدة طوال سنوات عمرها تدافع عن حقوق الأقباط، تستمع لصرخات المضطهدين، منادية برفع الظلم عنهم، وقال عنها اللورد كرومر فى أحد تقاريره: "إن الأقباط وجريدة مصر مثال يحتذى به فى الجد والاجتهاد وتحصيل العلوم، والدفاع عن حقوقهم بغير إستكانة".وكتب المنقبادى فى أحد مقالاته "الأقباط فى الصحافة المصرية" قال إن الأقباط ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كل قسم منها ينقسم إلى ثلاثة فرق: القسم الأول: وهم فريق المتعلمين الذين لا يزيد عددهم عن العشرة فى المائة وهم ينقسمون إلى:

* فريق يعرف علل الأقباط ولكنه يتخبط فى معرفة العلاج اللازم.

* فريق سيطر اليأس عليه فوقف موقف المتفرج بعيداً عن أية مخاطر.

* فريق يعرف العلل والحل ولكنه لا يملك الشجاعة على المجاهرة بها.

أما القسم الثانى فيضم محبى الظهور وينقسم إلى:

* فريق لا يبغى سوى الإعلان عن نفسه.

* فريق يتصدى لأعمال قليلة لا أهمية لها.

* فريق يتظاهر بالغيرة على أبناء أمته.

والقسم الثالث هما الشعب الذى ينقسم إلى: * فريق الأغنياء الذين لا يهتمون سوى بإنماء ثرواتهم. * فريق العامة الذين لا يدركون شيئاً عن الأمور الخاصة بخدمة الوطن. * فريق الغيورين على الأمة الراغبين فى تقدمها وهم أقل عدداً واقتداراً على عمل شىء. هذا كان حال الأقباط آنذاك- والذى لا يختلف كثيراً فى الوقت الحالى- وكان المنقبادى من القلة المجاهرين بحقوق الأقباط دون نافع أو مصلحة، فرسخ أركان ثابتة لأفكار خالدة استمرت الجريدة تواصلها حتى بعد رحيله عن الدنيا، إذ تولى رئاسة تحريرها على التوالى: قيصر المنقبادى - صموئيل المنقبادى - مسعد صادق والذى استدعته نيابة الصحافة فى 19 سبتمبر عام 1950 للتحقيق فيما ينشره من مقالات يدعو فيها إلى إزالة بواعث التفرقة الدينية، وإقرار قواعد المساواة بين عنصرى الأمة، كما ساهم بالكتابة فى الجريدة: فرج أنطون، ومحمود العقاد، طه حسين، توفيق حبيب المشهور بالصحفى العجوز، سلامة موسى.

الصوت الجهور المنارة المصرية: أصدر القمص سرجيوس المعروف ببطل الوحدة الوطنية وخطيب ثورة 1919 فى عام 1912 مجلته الثورية الإصلاحية "المنارة المرقسية" وكتب فى مقالها الافتتاحى سبب صدورها وهو انتقاد الأمور الداخلية وتقويم الاعوجاج الذى سرى فينا والضرب على العادات التى أضلت الشعب وأفسدت ما توارثناه من السلف الصالح.. ووعد القراء فى العدد الأول أن لا يحيد عن الحق تحت أي إغراء، وأنه لا تهديد يستطيع تقييد هذا القلم كما لن يستطع أن يكمم هذا اللسان، وتناقلت الصحف المصرية والسودانية مقالات القمص سرجيوس فاعتبروه زعيماً إصلاحياً ومعارضاً قوياً للأوضاع البالية والأنماط التقليدية، فثارت ضده الرئاسة الدينية وطالبت بمحاكمته إلا أن شعب السودان ظل متمسكاً به، فما كان من الرئاسة الدينية إلا أن طالبت أثناء محاكمته بتوقيعه على إقرار كتابى يعترف فيه بخطئه للعفو عنه، غير أنه رفض وأصر على موقفه قائلاً عبارته المشهورة: "أريد عدلاً لا عفواً". وفى عام 1930 استبدلت المنارة المرقسية التى كانت تصدر فى السودان بالمنارة المصرية والتى ظلت تصدر أسبوعياً دفاعاً عن العقيدة، مواجهة كل من يحاول العبث بالوحدة الوطنية، فكتب عن المجلة ألبرت يوسف من طائفة الروم الكاثوليك فى مايو 1950 "ذاكراً أنها مدافعة عن حقوق جميع المسيحيين بمختلف طوائفهم، ساعية لتوحيد جميع صفوفهم بعد أن تألمت النفس من الجرح الذى أُحدث فى جسد الرب يسوع المسيح من جراء الانقسام مستشهداً بتحذير بولس الرسول إلى أهل كورنثوس من العواقب الوخمية لتجزئة جسد المسيح إذ إن المؤمنين كلهم جسد واحد لرب واحد". وتحت عنوان "الطائفة والكنيسة كما يجب أن يكونا" خصص القمص سرجيوس مسابقة للقراء لتقديم حلول عملية للإصلاح ونشرها فى الجريدة تشجعياً لهم على الانخراط فى أمور وطنهم وكنيستهم. وتحت عنوان "تسابق وزارات الحكومة فى ميدان اضطهاد المسيحيين" كتب القمص سرجيوس عدة مقالات لصحوة المجتمع من غفلته، فاستهل مقاله: (إنه فى الوقت الذى تتسابق فيه دول العالم فى مضمار الاختراعات والاكتشافات، تحصر مصر كل همها فى تنظيم الاضطهاد الدينى لتصبه على رؤوس المسيحيين من أبناء مصر الصميمين نسل الفراعنة وأصحاب البلاد، وترى وزاراتها تتسابق فى ميدان الاضطهاد فى ظل الشروط العشرة لبناء الكنائس) وقسم الظلم الذى يقع على القبطى من كافة الوزارات: وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) فى عدم الاكتراث بدراسة التاريخ القبطى ومادة الدين المسيحى فى المدارس، ووزارة العدل وتدخلها فى شئون الزواج والطلاق الخاصة بالمسيحيين، ووزارة الدفاع فى إبعاد الأقباط من تولى المناصب القيادية الهامة آنذاك.

باعثة النهضة المجلة الجديدة: أصدر سلامة موسى فى 7 مايو 1914 جريدة المستقبل والتى كانت أول مجلة أدبية تصدر فى مصر وتدعو إلى نبذ التفرقة. إذ كان المصريون يعيشون فى حمى الطائفية والتعصب فتصدى لهم سلامة موسى فى جريدته حتى صدر أمر بتعطيلها بعد صدورها 16 عدداً، ولكنه لم ييأس فعاود نشاطه مرة أخرى عام 1929 فأصدر "المجلة الجديدة" والتى كانت طليعة الحركة التقدمية والتنويرية. وانفردت الجريدة بعدة مقالات عن القومية المصرية والفنون القبطية وشئون الآثار وثقافة المصريين القدماء. وكان يهدف من ذلك أن تتمتع مصر بشباب مؤمن بحضارتها القديمة. وشارك فى الكتابة فيها طه حسين، ومحمود عزمى وزكى أبو شادى وإبراهيم ناجى وزكى مبارك وأحمد رامى وكان للمجلة دور فكرى تنموى فى التحدث عن قضايا المرأة والتعليم والحرية، إذ كان سلامة موسى متعصباً لحرية الإنسان والقيم الإنسانية (الخير والحق والجمال) وذكر فى المجلة الجديدة "أن الدين يؤذى الناس، إذ كانت الحكومة تساومهم إياه، لأنه يقف حاجزاً دون حرية التفكير وحرية الاعتقاد" ودعا سلامة فى أعداد الجريدة لدين البشرية الذى يدعو للحب العظيم مهما اختلف الجنس أو اللون أو الدين. وقال نجيب محفوظ عن سلامة موسى: "إن العقاد هو روح النهضة الأدبية، وطه حسين عقلها، وسلامة موسى إرادتها". وكان للجريدة مواقف مشرفة فى الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة إذ خصص سلامة موسى عدة أعداد لتذكير القراء بالعقاد عندما سُجن، رغم ما كان بينهما من اختلافات فكرية، وعندما طرد طه حسين من الجامعة كتب عنه "إن البيئة الاجتماعية التى اختمرت فأنبتت طه حسين تستطيع أيضاً أن تنبت مثله من يدعو للتجديد والحرية، وإن كان أحد يظن أن طه حسين وزملاءه من المفكرين انهزموا أمام الرجعية فهو مخطئ، فإن هؤلاء الأحرار منتصرون وإن لم يكن اليوم فغداً". هكذا حملت صفحات المجلة الجديدة فكراً جديداً فى الدعوة للحرية والدفاع عن المفكرين مجابهة كل تيارات التكفير والرجعية فى شجاعة بالغة. أحجار ثقيلة البنيان حملها الرعيل الأول من الأقباط لبناء صرح صحفى عريق يتسند عليه الأحفاد.. ولكن هل هناك مَن يستكمل البناء؟