الثلاثاء، 4 مايو 2010

موضوع عن تاريخ الصحف القبطية


الرابط: http://www.eltareeq.com/Pages/Pg_Main_M.aspx
الاسم:
الصحف القبطية.. تاريخ فى الوطنية وكفاح فى التصدى للأفكار السلفية
إعداد: مريم مسعد صادق

المجلة الجديدة .. باعثة النهضة
المنارة المصرية..الصوت الجهور
جريدة مصر والحركة الوطنية
لم يكن الأقباط بمنأى عن المشاركة الوطنية أو الحياة الثقافية المصرية، بل كانت صحفهم منارة يسير المصريون على دربها، وعندما تفشت الأفكار الرجعية كُرست أقلامهم للدفاع عن أبناء وطنهم ومن ليس لهم من يدافع عنهم، حتى أدرك الجميع معاً أسمى معانى الإنسانية "الوطن.. الحرية.. القيم".

جريدة مصر والحركة الوطنية ظل عدد من المستنيرين الأقباط يحملون بداخلهم حلم إنشاء جريدة قبطية تنطق بلسان حال الطائفة المسيحية خاصة والوطن عامة، غير مبالين بما قد يواجهونه من دعاة الهزيمة والرجعية، وبدأوا بجمع أشلاء أنفسهم، فأُنيب أخنوخ فانوس عن الأقباط الإنجيليين، وحليم بك غالى عن الأقباط الكاثوليك، وتادرس بك شنودة المنقبادى عن الأقباط الأرثوذكس، لإصدار جريدة قبطية وطنية، غير أنه لضيق ذات اليد ظل المشروع طريح الفراش عدة سنوات، تخللها احتراف فانوس المحاماة وحليم غالى الزراعة وابتعاد كل منهما عن الصحافة، ولم يتبق منهما سوى شنودة المنقبادى الذى باع كل أملاكه فى سبيل بزوغ جريدته للنور والتى صدرت بالفعل فى 22 نوفمبر عام 1895، واستهل فاتحة جريدته فكتب: "... اللهم استمع أدعيتنا وتقبل طلبتنا، وأنر بروح الحكمة والفهم بصيرتنا، ولا تجعلنا نهتم بشئون الغير قبل الاهتمام بشئون أمتنا وإصلاح داخليتنا، ورفع راية العدالة والحرية والمساواة على ربوع أمتنا". وقال المنقبادى أن هدفه من إنشاء الجريدة "... نظرت إلى حالة المصريين بعين التأمل وإذ ببذور التدهور والتفكك فى طور النمو، ووجدت أنه من العار أن لا يكون للأقباط جريدة معتدلة تعمل بقلب مخلص وغيرة صادقة على خدمتهم وقيادتهم إلى المبادئ القويمة والإصلاح الصحيح". وتحت عنوان "الاتحاد قوة" ذكرت الجريدة: "إن أبناء الوطن يجب عليهم الاهتمام بالمصالح العامة طالما حكام الأمة يعاملون جميع أفرادها حسبما تقتضيه أحوال العدالة وقوانين المساواة... وأن أية أمة تنقسم على ذاتها مصيرها الخراب، وأى شعب تمسك أفراده بأذيال الاختلاف كان هدفاً لمخالب التطرف، فكفانا انقساماً...". ونشر سينوت بك حنا سلسلة مقالات فى الجريدة تحت عنوان "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا" حتى أن الإنجليز كانوا يصفون الجريدة بأنها الجريدة الوطنية المتطرفة!! وظلت الجريدة تؤدى رسالتها فى الوقت الذى تلاشت فيه الصحف الأخرى كالمقطم والسياسة والجريدة رغم أن أصحابها كانوا من ذوى النفوذ والمال ولكن ظلت "مصر" تؤدى رسالتها فى مؤازرة الحركة الوطنية، فحدث وأن استدعت السلطة المنقبادى وطلبت منه التقليل من الواعز الوطنى فى كتاباته حتى لا يظهر الأقباط فى موقف التضامن مع المسلمين فى الدعوة للاستقلال، فأبى المنقبادى كافة عروضهم السخية قائلاً فى وجوههم: "إن الأقباط والمسلمون إخوان مصريون وحاشا أن لا يتكاتفوا لخير وطنهم" ولاقى فى غضون ذلك صنوفاً من الاضطهاد حيث تعرض عاملوا الجريدة للاعتقال والتعذيب، وعطلت الجريدة ثلاث مرات، وحكم على المنقبادى بعدة غرامات، كما حرمت جريدته من الإعلانات الحكومية والامتيازات الصحفية، ولم تحصل على الورق الكافى لصدورها أسوة بزميلاتها الصحف، ورغم هذا استطاعت الجريدة شق طريقها وسط خضم من الزوابع الجائحة، ولم تحل الرقابة الشديدة التى فرضت عليها دون تأييد الحركة الوطنية والجرأة فى الكتابة. وكانت الجريدة أول من دعا إلى إصلاح الأديرة وتعليم الإكليروس، فى الوقت الذى لم تكن فيه عبارة الإصلاح الطائفى تُسمع فى الآذان. فعلق عليها المصلحون أملاً كبيراً، إذ كان المجلس الملى حديث العهد وكانت السلطة الدينية تحاول أن تخنقه فى مهده، فانبرت "مصر" تدافع عنه وتفرغ المنقبادى تاركاً وظيفته ليجول فى بلاد الصعيد يحث ويعضد الأقباط على التمسك بالمجلس الملى حتى شكاه البطريرك إلى نظارة الداخلية فاستمال المنقبادى أنبا أثناسيوس وشجعه على قبول رئاسة المجلس لضمان تأدية رسالته، وظلت الجريدة طوال سنوات عمرها تدافع عن حقوق الأقباط، تستمع لصرخات المضطهدين، منادية برفع الظلم عنهم، وقال عنها اللورد كرومر فى أحد تقاريره: "إن الأقباط وجريدة مصر مثال يحتذى به فى الجد والاجتهاد وتحصيل العلوم، والدفاع عن حقوقهم بغير إستكانة".وكتب المنقبادى فى أحد مقالاته "الأقباط فى الصحافة المصرية" قال إن الأقباط ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كل قسم منها ينقسم إلى ثلاثة فرق: القسم الأول: وهم فريق المتعلمين الذين لا يزيد عددهم عن العشرة فى المائة وهم ينقسمون إلى:

* فريق يعرف علل الأقباط ولكنه يتخبط فى معرفة العلاج اللازم.

* فريق سيطر اليأس عليه فوقف موقف المتفرج بعيداً عن أية مخاطر.

* فريق يعرف العلل والحل ولكنه لا يملك الشجاعة على المجاهرة بها.

أما القسم الثانى فيضم محبى الظهور وينقسم إلى:

* فريق لا يبغى سوى الإعلان عن نفسه.

* فريق يتصدى لأعمال قليلة لا أهمية لها.

* فريق يتظاهر بالغيرة على أبناء أمته.

والقسم الثالث هما الشعب الذى ينقسم إلى: * فريق الأغنياء الذين لا يهتمون سوى بإنماء ثرواتهم. * فريق العامة الذين لا يدركون شيئاً عن الأمور الخاصة بخدمة الوطن. * فريق الغيورين على الأمة الراغبين فى تقدمها وهم أقل عدداً واقتداراً على عمل شىء. هذا كان حال الأقباط آنذاك- والذى لا يختلف كثيراً فى الوقت الحالى- وكان المنقبادى من القلة المجاهرين بحقوق الأقباط دون نافع أو مصلحة، فرسخ أركان ثابتة لأفكار خالدة استمرت الجريدة تواصلها حتى بعد رحيله عن الدنيا، إذ تولى رئاسة تحريرها على التوالى: قيصر المنقبادى - صموئيل المنقبادى - مسعد صادق والذى استدعته نيابة الصحافة فى 19 سبتمبر عام 1950 للتحقيق فيما ينشره من مقالات يدعو فيها إلى إزالة بواعث التفرقة الدينية، وإقرار قواعد المساواة بين عنصرى الأمة، كما ساهم بالكتابة فى الجريدة: فرج أنطون، ومحمود العقاد، طه حسين، توفيق حبيب المشهور بالصحفى العجوز، سلامة موسى.

الصوت الجهور المنارة المصرية: أصدر القمص سرجيوس المعروف ببطل الوحدة الوطنية وخطيب ثورة 1919 فى عام 1912 مجلته الثورية الإصلاحية "المنارة المرقسية" وكتب فى مقالها الافتتاحى سبب صدورها وهو انتقاد الأمور الداخلية وتقويم الاعوجاج الذى سرى فينا والضرب على العادات التى أضلت الشعب وأفسدت ما توارثناه من السلف الصالح.. ووعد القراء فى العدد الأول أن لا يحيد عن الحق تحت أي إغراء، وأنه لا تهديد يستطيع تقييد هذا القلم كما لن يستطع أن يكمم هذا اللسان، وتناقلت الصحف المصرية والسودانية مقالات القمص سرجيوس فاعتبروه زعيماً إصلاحياً ومعارضاً قوياً للأوضاع البالية والأنماط التقليدية، فثارت ضده الرئاسة الدينية وطالبت بمحاكمته إلا أن شعب السودان ظل متمسكاً به، فما كان من الرئاسة الدينية إلا أن طالبت أثناء محاكمته بتوقيعه على إقرار كتابى يعترف فيه بخطئه للعفو عنه، غير أنه رفض وأصر على موقفه قائلاً عبارته المشهورة: "أريد عدلاً لا عفواً". وفى عام 1930 استبدلت المنارة المرقسية التى كانت تصدر فى السودان بالمنارة المصرية والتى ظلت تصدر أسبوعياً دفاعاً عن العقيدة، مواجهة كل من يحاول العبث بالوحدة الوطنية، فكتب عن المجلة ألبرت يوسف من طائفة الروم الكاثوليك فى مايو 1950 "ذاكراً أنها مدافعة عن حقوق جميع المسيحيين بمختلف طوائفهم، ساعية لتوحيد جميع صفوفهم بعد أن تألمت النفس من الجرح الذى أُحدث فى جسد الرب يسوع المسيح من جراء الانقسام مستشهداً بتحذير بولس الرسول إلى أهل كورنثوس من العواقب الوخمية لتجزئة جسد المسيح إذ إن المؤمنين كلهم جسد واحد لرب واحد". وتحت عنوان "الطائفة والكنيسة كما يجب أن يكونا" خصص القمص سرجيوس مسابقة للقراء لتقديم حلول عملية للإصلاح ونشرها فى الجريدة تشجعياً لهم على الانخراط فى أمور وطنهم وكنيستهم. وتحت عنوان "تسابق وزارات الحكومة فى ميدان اضطهاد المسيحيين" كتب القمص سرجيوس عدة مقالات لصحوة المجتمع من غفلته، فاستهل مقاله: (إنه فى الوقت الذى تتسابق فيه دول العالم فى مضمار الاختراعات والاكتشافات، تحصر مصر كل همها فى تنظيم الاضطهاد الدينى لتصبه على رؤوس المسيحيين من أبناء مصر الصميمين نسل الفراعنة وأصحاب البلاد، وترى وزاراتها تتسابق فى ميدان الاضطهاد فى ظل الشروط العشرة لبناء الكنائس) وقسم الظلم الذى يقع على القبطى من كافة الوزارات: وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) فى عدم الاكتراث بدراسة التاريخ القبطى ومادة الدين المسيحى فى المدارس، ووزارة العدل وتدخلها فى شئون الزواج والطلاق الخاصة بالمسيحيين، ووزارة الدفاع فى إبعاد الأقباط من تولى المناصب القيادية الهامة آنذاك.

باعثة النهضة المجلة الجديدة: أصدر سلامة موسى فى 7 مايو 1914 جريدة المستقبل والتى كانت أول مجلة أدبية تصدر فى مصر وتدعو إلى نبذ التفرقة. إذ كان المصريون يعيشون فى حمى الطائفية والتعصب فتصدى لهم سلامة موسى فى جريدته حتى صدر أمر بتعطيلها بعد صدورها 16 عدداً، ولكنه لم ييأس فعاود نشاطه مرة أخرى عام 1929 فأصدر "المجلة الجديدة" والتى كانت طليعة الحركة التقدمية والتنويرية. وانفردت الجريدة بعدة مقالات عن القومية المصرية والفنون القبطية وشئون الآثار وثقافة المصريين القدماء. وكان يهدف من ذلك أن تتمتع مصر بشباب مؤمن بحضارتها القديمة. وشارك فى الكتابة فيها طه حسين، ومحمود عزمى وزكى أبو شادى وإبراهيم ناجى وزكى مبارك وأحمد رامى وكان للمجلة دور فكرى تنموى فى التحدث عن قضايا المرأة والتعليم والحرية، إذ كان سلامة موسى متعصباً لحرية الإنسان والقيم الإنسانية (الخير والحق والجمال) وذكر فى المجلة الجديدة "أن الدين يؤذى الناس، إذ كانت الحكومة تساومهم إياه، لأنه يقف حاجزاً دون حرية التفكير وحرية الاعتقاد" ودعا سلامة فى أعداد الجريدة لدين البشرية الذى يدعو للحب العظيم مهما اختلف الجنس أو اللون أو الدين. وقال نجيب محفوظ عن سلامة موسى: "إن العقاد هو روح النهضة الأدبية، وطه حسين عقلها، وسلامة موسى إرادتها". وكان للجريدة مواقف مشرفة فى الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة إذ خصص سلامة موسى عدة أعداد لتذكير القراء بالعقاد عندما سُجن، رغم ما كان بينهما من اختلافات فكرية، وعندما طرد طه حسين من الجامعة كتب عنه "إن البيئة الاجتماعية التى اختمرت فأنبتت طه حسين تستطيع أيضاً أن تنبت مثله من يدعو للتجديد والحرية، وإن كان أحد يظن أن طه حسين وزملاءه من المفكرين انهزموا أمام الرجعية فهو مخطئ، فإن هؤلاء الأحرار منتصرون وإن لم يكن اليوم فغداً". هكذا حملت صفحات المجلة الجديدة فكراً جديداً فى الدعوة للحرية والدفاع عن المفكرين مجابهة كل تيارات التكفير والرجعية فى شجاعة بالغة. أحجار ثقيلة البنيان حملها الرعيل الأول من الأقباط لبناء صرح صحفى عريق يتسند عليه الأحفاد.. ولكن هل هناك مَن يستكمل البناء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق