الثلاثاء، 4 مايو 2010

مسعد صادق... شيخ الصحفيين











شيخ الصحفيين... مسعد صادق
رحلة كفاح من أجل صاحبة الجلالة

إن الحياة هى هى.. أمس واليوم وغداً.. صورة متكررة متلاحقة يأخذ بعضها بتلابيب بعض، وهى لا تخلو من محن وفواجع .. فلا مناص من تقبل الحياة بكل ما فيها بخيرها وشرها، بمباهجها وهمومها وأحزانها.. لهذا علينا أن نحاول التخفيف من أثقالها والتهوين من متاعبها، وأن ننزع الحصى والعثرات من طريق الناس، لأننا سنمشى على الطريق نفسه، وستدمى أرجلنا مما قد نتركه فيه من أشواك

منذ أن أمسك مسعد صادق بالقلم وبدأ حياته كاتباً صحفياً، كرس نفسه وقلمه للدفاع عمن ليس لهم من يدافع عنهم، فآمن برسالة دفع الظلم عن المضطهدين، كان يعرف منذ البداية أن تمسكه بهذه الرسالة سوف يمضى به فى طريق محفوف بالمخاطر، ولكنه وجد فى مهنة الصحافة التى كان يطلق عليها" مهنة البحث عن المتاعب" ما يعنيه على إداء رسالته.
ولد مسعد صادق فى 14 مايو 1916م فى قصر فى مدينة مطاى بمحافظة المنيا، وفى منتصف الثلاثينات من القرن الماضى مُنى والده بخسائر فادحة فى تجارة الأقطان فباع القصر وجاءاً إلى القاهرة ليسكنا شقة بالإيجار فى أحد البيوت بشارع جزيرة بدران بشبرا.
منذ حداثته وكان مولعاً بالقراءة، ولم يكن فى وسعه شراء الكتب ليقرأها فكان يقرأ كل ما تصل إليه يداه من أوراق وكتب وبلغ من شغفه بالقراءة أنه كان يحصل على قراطيس اللب بعد ما يفرغ ما بها ويُقبل على قرائتها، وفى نهاية مرحلة دراسته الإبتدائية عرف الطريق إلى دار الكتب وكان اسمها انذاك "الكتبخانة" وظل يتردد عليها إلى مابعد دراسته الثانوية بصفة يومية حتى إغلاق أبوابها وفيها تعرف على مديرها منصور فهمى باشا مدير دار الكتب، وكتب تحقيقاً فى صفحة الثقافة العامة بجريدة كوكب الشرق عام 1936م أبدى فيه بعض الملاحظات على سير العمل فى دار الكتب، فأرسل إليه منصور فهمى خطاب شكر وعد فيه بالأخذ بجميع المقترحات وشجعه على المضى فى العمل الصحفى، وفى العام نفسه دعاه الكاتب " سلامة موسى" للعمل معه بجريدة مصر اليومية، وكان سلامة موسى يكتب إفتتاحية العدد بالعمود الأيمن ومسعد صادق يحرر باباً بالعمود الأيسر بعنوان فى الصميم، وظل يواصل الكتابة فيها إلى أن توقفت عن الصدور ثم أصدر بعدها عشرات الصحف والمجلات.
وفى يناير عام 1952م ألفت هيئة الوحدة الوطنية وأختير مسعد صادق سكرتيراً لها، وأشادت الصحف وقتها بنشاطها لدعم الوحدة الوطنية.
وفى يونيه 1952م أصدر جريدة الفداء وكتب فى عددها الأول مكرم عبيد باشا وقال عنها أنها صرح شامخ للوحدة الوطنية والدفاع عن المظلومين، وخاضت الفداء عدة معارك منها فصل الدين عن الدولة منتهزة فرصة الإعداد لدستور جديد فى ظل ثورة يولية وإحتل العنوان الرئيسى لعدد 29 ديسمبر 1956م المطالبة بدستور قومى يصون الوحدة الوطنية.
وفى الوقت الذى كان فيه الكاتب يؤدى رسالته فى الفداء كان هناك من يضيق بهذه الرسالة ويتحين الفرصة للإيقاع بها، ففوجئ الكاتب بدعوته لزيارة مكتب عبد المنعم شميس بإدارة المطبوعات ومعه الدكتور لويس دوس الذى كان مدرساً بكلية الطب وفصل من عمله بسبب كتاباته الجريئة، وقد لبوا الدعوة غير أنهم فوجئوا بأن وزير الإرشاد القومى محمد فؤاد جلال ووكيل الوزارة فى إنتظارهم ومعهم أنور السادات الذى كان أنذاك عضواً فى مجلس قيادة الثورة ومسئولا عن الشئون الدينية، وإنتهى اللقاء بحظر الكتابة فى الشئون الدينية، غير أنهم بعد أيام ساقوه إلى سجن الاجانب بباب الحديد ثم السجن الحربى بالعباسية وأمضى هناك شهرين دون أن يوجه إليه أى إتهام، وقبيل الإفراج عنه دعاه زكريا محى الدين وطلب منه أن يخفف من حدة كتاباته، وفى غضون ذلك أُصدر أمر عسكرى بتعطيل الفداء وفصل الكاتب من عضوية نقابة الصحفيين على الرغم أنه كان من الرعيل الأول لإنشائها، وبعد محاولات شتى من الكاتب إستطاع إعادة قيده، وذلك فى أكتوبر 1955م.
أصدر مسعد صادق جريدة النيل وما كاد يُصدر منها بضع أعداد حتى صدر قرار بتعطيلها فأصدر بعدها جريدة المستقبل وظلت عدة أشهر إلى أن صدر قرار آخر بإيقافها، وأمام كل تلك التحديات لم ييآس مسعد صادق بل سعى لإعادة إصدار جريدته الأولى تحت مُسمى "الفداء الجديد" وبالفعل بزغت للنور غير أنها لم تلبث حتى توقفت هى الأخرى.
وفى سنة 1958م أختير مسعد صادق عضواً بلجنة الشكاوى بنقابة الصحفيين وشهد العام نفسه مولد جريدة وطنى التى إشترك فى تحريرها، وتعد وطنى أول صحيفة حرة تصدر فى فجر الثورة بعد أن عصفت الأيام بصحف عديدة فتوارت، غير أن وطنى صمدت وتمسكت بمبادئها فى ترسيخ المواطنة بين أفراد الشعب.
ظل مسعد صادق طوال عمله فى جريدة وطنى يحرر باب" من الصميم" فتح فيه ملف الأديرة القبطية وما يصيبها من تلف وتبنى قضية إحياء التراث القبطى، وفى عام 1978 كتب مقالاً تحت عنوان "الوحدة التى انتصرت على عوامل الشر" وذلك بعد الخطاب الذى ندد فيه الرئيس أنور السادات بمحاولات النيل من دور العبادة فكتب مسعد صادق:
" أن قوى الشر تتحين الفرصة بين وقت وآخر لتحاول الإنقضاض على مقدساتنا والتسلل بين صفوفنا لتفكيك وحدتنا فهى لا تعيش إلا فى الخفاء"
قال الدكتور رفعت السعيد عن مسعد صادق: "مسعد صادق علم من أعلام النضال الديمقراطى والدفاع عن الحرية وعن الوحدة الوطنية"، ودعا السعيد كل أنصار الوحدة الوطنية لإقامة حفل يليق بمسعد صادق وما قدمه لمصر وشعبها، وبالفعل فى مارس 1966م قدمت إليه نقابة الصحفيين شهادة تقدير موقعا عليها من النقيب حافظ محمود جاء بها: "مجلس نقابة الصحفيين يسجل لكم فى سجل الشرف الصحفى ما قدمتم من خدمات فى أسبوع العيد المئوى للصحافة الوطنية. شكراً وتقديراً لكم من الأعماق".
وفى سنة 1975م أصدر كتاب " حينما أحتوتنى الجدران السميكة" سجل فيه مذكراته عن مدة إعتقاله، وفى سنة 1996 أصدر كتاب " ظاهرة تجلى أم النور مع السنة من نار ونور ومعجزاتها فى شبرا أثناء وبعد الظهور".
يبدأ الإنسان رحلته على الأرض وليداً بالبكاء، وتنتهى رحلته عند رحيله بالبكاء، والمرحلة ما بين البداية والنهاية لا تخلو من الآلام والدموع، إنما الذى يقضى عمره على الأرض فى تخفيف الآلام ومسح الدموع، هو الذى تخفف عنه الأثقال
ومع إقتراب أيامه الأخيرة كرمته نقابة الصحفيين فى 10 يونيه 2000 ، وسلمه إبراهيم نافع نقيب الصحفيين درع النقابة مُسجل عليه "تقديراً وعرفاناً بعطاء وريادة شيخ الصحفيين الأستاذ مسعد صادق".
وبعد فرحة التكريم مع أسرته وأحبائه رحل مسعد صادق عن عالمنا بهدوء فى 25 سبتمبر عام 2000 بعد أن أمضى عمره فى خدمة بلاط صاحبة الجلالة ممسكاً بقلمه مدافعاً عن المظلومين حتى النفس الأخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق