شهدت انتخابات مجلس الشعب التى أعلنت نتائجها الشهر الماضى جدلاً واسعاً بين الأحزاب المعارضة والحكومة، الأمر الذى أدى إلى عزوف أقوى التيارات السياسية فى مصر عن المشاركة فى العملية الانتخابية: حزب الوفد، التجمع، والإخوان المسلمون. بعدما نجحت الأخيرة نجاحاً ساحقاً فى الدورة البرلمانية السابقة وحصلت على 88 مقعداً. وفى ظل هذه التيارات المتناحرة التى تؤكد على نزاهة الانتخابات ويتزعمها الحزب الوطنى من جهة والذى حاز بدوره على أغلب مقاعد البرلمان الحالي، والتيار الثاني الذى ندد بتزوير الانتخابات وقام بتشكيل ما يسمى ببرلمان المعارضة الموازى، الذى للأسف لم يجد أى صدى لدى الحزب الوطنى حسبما صرح به الرئيس محمد حسنى مبارك فى افتتاح الدورة البرلمانية 2010 بـ"خليهم يتسلوا".
وما العلاقة بين العنوان وما سبق؟ وهل الأقباط هم فقط من يعانون من تهميش فى البرلمان؟
يقول الأستاذ كمال زاخر منسق عام جبهة العلمانيين الأقباط في هذا الصدد إن الأقباط ليسوا سلبيين، بل إن الدائرة تشمل وتعم لنقول إن المصريين أدى بهم الأمر إلى أن يكون أغلبهم سلبيين، وكما قال العظيم نجيب محفوظ فى رواية السكرية من الثلاثية على لسان أحد أبطاله: "... مشكلة الأقباط... هى مشكلة الشعب، إذا اضطهد اضطهدنا وإذا تحرر تحررنا".
في هذا السياق، نستعرض أهم ملامح الحضور القبطى فى الانتخابات العامة فى إطار التطور التاريخى منذ إنشاء مجلس شورى النواب (1866) حتى انتخابات 2010، حيث كان عدد الأقباط يتراوح بين اثنين وثلاثة أعضاء مع إنشاء مجلس شورى النواب، ومع بدء تشكيل أول مجلس نواب مصرى عام 1879 كان الأمر يقضى بوجوب انتخاب عضو قبطى عن كل مديرية، وعن تمثيل الأقباط بين دستور 1923 إلى قيام ثورة 1952 كتب كيرلس المنقبادى تحت عنوان "الدين لله والوطن للجميع":
"يشهد تاريخ مصر تولى رئاسة الوزارة للسياسين المسلمين والمسيحيين دون تفرقة، فكان هناك نوبار باشا الأرمنى المسيحي الذي تولى رئاسة الوزارة أكثر من مرة، ووزارة بطرس باشا غالى سنة 1908 ووزارة يوسف وهبة باشا سنة 1919، وعندما صدر المرسوم السلطانى فى 19 مايو سنة 1921 بتشكيل الوفد الرسمى للمفاوضات مع الإنجليز برئاسة عدلى يكن باشا كان من أعضاء الوفد من الأقباط الوزير السابق يوسف سليمان باشا ومن المستشارين والموظفين توفيق دوس بك ويوسف نحاس بك وإلياس عوض بك وإبراهيم فهمى بك، ومن اليهود يوسف أصلان قطاوى باشا".
ومنذ عام 1942 إلى عام 1950 كان عدد تمثيل الأقباط يتأرجح ليسجل أعلى رقم عام 1942 (27 مقعداً) وأقل تمثيل عام 1931 (4 مقاعد)، وبعد قيام ثورة 1952 تغير الوضع إذ لم يعد من الممكن ترشيح أى قبطى فى الانتخابات نتيجة لغياب الأحزاب عن الساحة السياسية، ولذا ابتكر الرئيس جمال عبد الناصر أسلوباً جديداً لم يمارس من قبل حتى يضمن تواجد الأقباط فى المجلس النيابى، فقرر إدارياً غلق 10 دوائر اختيرت بدقة حيث التواجد القبطى فيها محسوس وملحوظ وقصر حق الترشح فيها على الأقباط فقط، وظل هذا المبدأ معمولاً به منذ عام 1964 إلى عام 1979، ونتج عن هذا النظام التعييني تولد شعور لدى قطاعات من الأقباط بأنهم بالفعل أقلية وأن عليهم أن يرضخوا ويقبلوا بهذا الأسلوب التعييني لتمثيلهم في البرلمان. وطبقاً لجدول تمثيل الأقباط الذى سجله الصحفى عادل منير فى كتابه "الأقباط والبرلمان أصوات من زجاج" فإن تمثيلهم عام 1957 كان صفر، وفى 1964 تسعة، ونفس الرقم فى 1969.
وبدأت الوتيرة الطائفية تتصاعد مع تولى الرئيس السادات رئاسة الجمهورية، والذى رغب فى كبح جماح التيارات الناصرية واليسارية فقام بإطلاق سراح عدد من الإخوان المسلمون الذين كان يتم اعتقالهم منذ صدور القرار بحل جماعة الإخوان عام 1948، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد فحسب بل أعلن السادات صراحة دينية الدولة بأن أطلق المادة رقم 2 فى الدستور المصرى لتقول: "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى من مصادر التشريع"، لتعدل بعد ذلك عام 1979 لتكون "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" رغم أن الدستور السابق دستور الجمهورية العربية المتحدة "الوحدة بين مصر وسوريا" لم يتضمن أية إشارة لهوية دينية للدولة وإنما أكد على مدنية الدولة.
ولكى يحقق السادات ما كان يصبو إليه من إقامة دولة دينية إسلامية أعد لجنة مشكلة من رجال الأزهر لسن قوانين الحدود المستمدة من الشريعة مثل حد الحرابة وحد الردة، فى القانون الأول يكون إقرار المجنى عليه وشهادة رجلين مسلمين بالغين عاقلين.. المادة الخامسة، وفى القانون الثانى تشترط المادة أن يكون الشاهد مسلماً وهنا لا يكون غير المسلم مؤهلاً، وبناء على هذه القوانين انعكس المناخ العام لتطبيق الشريعة الإسلامية، وازدادت حدة التفرقة مع عودة المهاجرين المصريين من بلاد الخليج بعد أن اصطبغوا بأفكار وهابية سلفية بثوا سمومها فى دور العلم والأماكن التى عادوا للعمل فيها بعد أن تقلدوا مناصب مرموقة، فحلت لغة الاختلاف محل الوئام الذى كان قد سبق عهد الثورة، فبدلاً من الاتحاد والتأخي بين صفوف الشعب المصرى للنهوض بمستقبل بلادهم، ساد التعصب والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد مع تمييز دين عن آخر، وازدادت أحداث الفتنة الطائفية، والتى كان من أشدها إصدار السادات قراراً بتحديد إقامة البابا شنودة الثالث. وعن الجانب البرلمانى فقد بلغ عدد تمثيل الأقباط المعينين فى البرلمان فى عهد السادات عام 1971 تسعة، وفى عام 1976 ثمانية، وعام 1979 أربعة عشر قبطياً... وانتهى عهد السادات باغتياله.
"وحينما تعلن نتائج الانتخابات في هذه أو تلك، وليس بين الفائزين فيها عدد يذكر من الأقباط، فإن ذلك يشير إلى دلالات... ويؤدى إلى انطباعات تدل على مدى الاستهانة بالضمير الوطني والحس القومى.. مما لا يرضاه أحد لوطنه، ولا لبنى وطنه. وكذلك الحال حينما تصدر قرارت التعيينات والترقيات أو يعلن عن الخيارات لتبوء المناصب فى شتى المجالات.. فإن خلوها من أسماء معينة يدل على افتقارها إلى روح المساواة والمشاركة".
ولن يستطيع أحد أن يرجع ذلك الافتقار إلى أنه ليس بين الأقباط من تؤهله كفاءته لتبوء مكانة، فقد شهد الجميع على مدى الحقب بتلك الكفاءة التى بوأتهم أرفع المناصب حينما لم تكن قد تفشت بعد نزعات فرقة أو تعصب، فيجب أن يكون هناك عدد من الأقباط فى المجالس النيابية على أرضية سليمة وليس لمجرد الشكل أو الاسترضاء، والأرضية السليمة هنا هى أن يقوم انتخابهم أو اختيارهم على قواعد ثابتة وعن قناعة كاملة بجدارتهم، وأن يتخذ فى تأييدهم من الوسائل ما يتخذ إزاء اخوتهم في الوطن.. ولسنا نقول ذلك من أجل بضعة أشخاص يزداد بهم عدد الأعضاء الأقباط فى المجالس النيابية أو الهيئات والنقابات وإنما من أجل مستقبل هذا الوطن ووحدة أبنائه، من أجل ثبات كيانه ورسوخ بنيانه.. من أجل سد فجوات وثغرات تتسلل منها رياح التفرقة التى تعصف بأمته وأمانه وتحاول أن تمشى بالوقيعة بين جموعه وطوائفه ابتغاء مغانم شخصية عن طريق السيادة على مقدراته غير مبصرين للهوة التى تدفع البلاد للتردى فيها.. فحينما تزول بواعث التفرقة بين دور العبادة، وبعض هذه البواعث ماثل فى خط همايونى عفا عليه الزمن وفى شروط عشرة لم يعد هناك مبرر لبقائها، حينما تزول تلك البواعث فلن يكون هناك من يفكر فى النيل من إحدى تلك الدور ولن يكون هناك ما يدعو إلى إحاطتها بحراسات تستنفذ الوقت والجهد وتبدو فى صورة لا تتفق مع رسالة هذا الدور.. لأن الشعب هو الذى سيحيطها بما هى جديرة به من مهابة وتقديس مستمد من رعاية الدولة لها والتسوية بينها وبين غيرها"..
لم تكتب تلك الفقرة السابقة فى الوقت الحالى وإن كانت شاهدة على تمثيل الأقباط فى الدورة البرلمانية الأخيرة، فكاتبها هو مسعد صادق بجريدة وطنى عام 1989.
وما قبل كتابة تلك الفقرة وافتتاح الدورة البرلمانية الحالية ما يقرب من أربعين عاماً ولا يزال المشروع الموحد لدور العبادة حبيس الأدراج رغم تعدد المشاريع المقدمة، وإن تميز عهد الرئيس محمد حسنى مبارك بإشاعة السلام فى الداخل والخارج، وإنصاف الأقباط في بعض القضايا مثل جعل يوم عيد الميلاد إجازة رسمية وتمثيل أقباط فى كل دورة برلمانية، عام 1984 تسعة أقباط، وعام 1987 عشرة أقباط، عام 1990 سبعة أقباط، عام 1995 ستة أقباط، عام 2000 ستة أقباط ومثلهم فى انتخابات 2005، إلى أن حصد الأقباط المعينون من جانب الرئيس سبعة مقاعد فى الدورة البرلمانية الأخيرة، وكان من بينهم جمال أسعد الذى يلاقى هجوماً شديداً من جانب الأقباط على تعيينه، لما تتسم به تصريحاته من لهجة معادية للبابا على حد قول المعارضين لتعيينه.
وهنا تتجدد الدعوة مع مطلع كل دورة برلمانية، لا نريد أقليات لا فى المجتمع ولا فى تمثيلنا كأقباط، نحن مصريون بالأول ونريد من يمثلنا كمصريين مطالبين بحقوق وليست هبات أو منح، وليس الشعار الإسلام هو الحل، ولا المسيحية هى الحل، وإنما الديمقراطية هى الحل..
السبت، 22 يناير 2011
إلى أين تهميش الأقباط فى البرلمان
http://www.eltareeq.com/tareeq2010/pg_editorpage_id_r.aspx?ArID=4073&GrID=21
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق