http://www.eltareeq.com/Pages/Pg_Main_M.aspx
مدارس الأحد والإصلاح المنشود
إعداد: مريم مسعد صادق
الكنيسة صرح عظيم, يضم بداخله أبناء المسيح بمنأى من الفساد والشرور, وذلك باتباع طريقة واحدة وسياسة كنسية واحدة, إذ يكون الجميع معاً بنفس واحدة. ولكن عندما تتحول الجمعيات والهيئات من خدمة الكنيسة إلى خدمة أنفسها كهيئات مستقلة, ومن مجد الكنيسة إلى مجد كيانها الذاتى, ويصبح الدستور العام هو التفكير الخاص بالجماعة, عندئذ تنقسم الهيئات, فيزداد عددها ويقل انتاجها، ذلك لأن كل بيت ينقسم على ذاته يخرب. هكذا كان حال المجتمع القبطى آنذاك, حتى انطلقت دعوة الإصلاح والتى نادى بها مجموعة من الشباب وجدوا فى الحملات التبشيرية والإرساليات الأجنبية ضالتهم المنشودة والتى ما لبثت حتى قوبلت برفض تام من جانب الجهات الكنسية والتى قامت بإغلاق المعهد الذى كان قد تم تأسيسه عام 1843 لتعليم كهنة الأقباط وذلك باعتباره خروجاً عن التقاليد المسيحية, كما حذرت الكنيسة الشعب من الانجراف نحو تلك البدع. وفى وسط كل تلك الاضطرابات التى لاحقت الشعب القبطى, نمت فكرة مدارس الأحد فى أذهان كثيرين, إلا انها لاقت قبولاً كبيراً لدى حبيب جرجس عام 1900 وذلك عندما كان يعظ فى جمعية النشأة القبطية بحارة السقايين, وطلب منه أحد الحاضرين تخصيص يوم الجمعة لإلقاء عظات ودروس دينية عليهم, وذلك لأن أوقاتهم لم تكن تسمح بحضور يوم الأحد الذى كان مخصصاً ليتلو عليهم محاضراته. وبالفعل وافق حبيب جرجس وعقدت الاجتماعات يومى الأحد والجمعة, تلك الاجتماعات التى أسفرت عن تأسيس جمعية دينية أسموها بـ "جمعية الإيمان" وكان مقرها بحى الفجالة, وما أن انتشرت وتوسعت, حتى تفرعت منها عدة جمعيات مثل جمعية الإيمان بشبرا وعدة مستشفيات أيضاً. كما شهد العام نفسه تأسيس جامعة "أشعة حب يسوع " والتى كان عدد أعضائها يزيد عن الخمسمائة متخذين لأنفسهم نظماً خاصة للنمو والتقدم فى النعمة والحياة الروحية, وفى عام 1905 تولت الجامعة مسئولية تعليم طلبة المدارس الأميرية الدين المسيحى إلى أن تقرر التعليم الدينى بالمدارس الأميرية عام 1908 بفضل جهود مرقس باشا سميكة - وهذا القرار لم ينفذ فعلياً حتى عام 1927 - بعدها اتجهت جامعة أشعة حب يسوع إلى تعليم البنات الفقيرات من أبناء الشعب القبطى بالمجان. وفى هذه الأثناء أصدر حبيب جرجس سلسلة كتب بعنوان "خلاصة الأصول الإيمانية فى معتقدات الكنيسة القبطية" فى ثلاثة أجزاء بطريقة "الكاتشيزم" أى السؤال والجواب, وتلك كانت الطريقة التى كانت تتبعها الإرساليات الأجنبية قبل ذلك, وناقشت السلسلة موضوعات عدة كالتجسد والفداء وأسرار الكنيسة والصلاة وقانون الإيمان وحياة السيد المسيح وموته وقيامته, كما تقرر تدريس الكتاب بأجزائه الثلاثة بالمدارس القبطية والأميرية فيما بعد, ويُعد أول منهج دينى مسيحى يُدخل إلى المدارس بفضل سواعد أبناء مدارس الأحد الذين انطلقوا لخلق جيل مسيحى جديد يحمل على عاتقه مسئولية النهوض بالبلاد وإرجاع الأمجاد المسيحية. وتعويد الأولاد والبنات حفظ يوم الأحد, والمواظبة على حضور الكنائس وسماع القداس, وكانت آيام الآحاد مخصصة للمدارس القبطية, وآيام الجمعة للمدارس الأميرية. كما تولت مدارس الأحد مسئولية تعليم الإنجيل للنشء لتجعل من طلابها أعضاء حية وقوة نافعة للكنيسة, وذلك من خلال تعويدهم على ممارسة الأخلاق السامية, وتحذيرهم من الوقوع فى الخطايا المنتشرة بين الأولاد كالحلف والكذب, وإعدادهم ليكونوا رجالاً نافعين لوطنهم وبث الروح القومية فيهم, وحثهم على خدمة بلادهم, وذلك من خلال إلقاء دروس أسبوعية بواسطة معلمين أكفاء من خريجى المدرسة الإكليركية, وتنظيم رحلات رياضية روحياً وجسدياً حتى ينمو فى النعمة والقامة معاً, وتدريبهم على الاشتراك فى العطاء ومواساة المرضى والفقراء. قيل إن من فتح مدرسة علمية فقد أغلق سجناً فكم بالأحرى إذ كانت مدرسة دينية, لاشك أنها سوف تفتح أبواب الإصلاح. غير أن تلك الأفكار لم ترق لكثيرين من القيادات الكنسية آنذاك فكتب الأنبا غبريال أسقف دير الأنبا أنطونيوس وبوش عن مدارس الأحد ونشأتها وقال: "إنها جماعة مدسوسة على الكنيسة, استغلت بعض السذج من الشعب فى صورة حملة المشاعل بين أبناء الكنيسة، وتمكنوا بالخديعة والمكر أن يلفتوا اليهم أنظار الناس ويكسبوا إعجابهم, تلك هى مدارس الأحد المرفق الذى أخذوا ينفقون عليه بلا وعى وذلك فى سبيل نشر المبادئ التى تصبو إليها أنفسهم, فأى تعليم هذا الذى يسمح باختلاط الشبان والشابات فى مكان واحد يحيط به النقد اللاذع" هذا على حد قوله. وراح الأنبا غبريال يتهم فى كتابه مدارس الأحد أنها تتجاهل القيادات الكنسية ورجال الدين وتستأجر الأقلام القبطية فى الدعوة إليهم!! وقال عن مجلة مدارس الأحد أنها طفحت بمساعيهم فى الطعن على المطارنة والقسوس!! والغريب فى الأمر أن مجلة مدارس الأحد التى صدرت فى أبريل عام 1947 تمركزت أهدافها حول إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع, حتى يجد فى المجلة كل هؤلاء غذاءهم الروحى والاجتماعى والأدبى, هادفة لإيجاد مدارس مسيحية تُخرج جنوداً وخداماً للمجتمع الإنسانى، لا مدارس هزيلة عبارة عن آلات تُخرج شباباً جهلاء مساكين, وأن تكون الكنيسة كلها وحدة لا تنفصل. وبالفعل ضم العدد الأول من المجلة التى رأس تحريرها مسعد صادق عدة مقالات منها: مدارس الأحد للإيغومانوس إبراهيم لوقا, وركناً للغذاء وصحيفة للسيدات, وللأطفال، ومقالاً لإيريس حبيب المصرى عن الروحانية, ومقالاً عن المخطوطات القبطية, وحياة القديس اغسطينوس, وقصيدة كم قسا الظلم عليكى للأستاذ نظير جيد "البابا شنودة الثالث" هذا بالإضافة إلى ركن للفنون.. عدة موضوعات انفردت بها المجلة فى عددها الأول لتغطى من خلاله كافة الاحتياجات الإنسانية. ولازمت مدارس الأحد عدة حروب وصراعات حتى بزعت للنور من خلال صدق رسالتها وسمو أهدافها, حتى كتب عنها البابا كيرلس الخامس فى نوفمبر 1907مقالاً قال فيه: "من ترونهم اليوم أحداثاً هم رجال المستقبل, رجال الكنيسة، فعلموهم واعتنوا بهم وربوهم على الحق والفضيلة وازرعوا فى نفوسهم أغراس البر والنعمة, اجذبوا الشبان إلى الكنيسة وعلموهم أن يذكروا خالقهم فى أيام شبابهم, اعتنوا بالأولاد اليتامى وكونوا أنتم لهم آباء وأمهات لئلا يكبروا ويفسدوا ويصيروا عالة على الأمة القبطية". وقال البابا يوأنس فى نوفمبر 1938: "إن إنشاء مدارس الأحد والكلية الإكليريكية أشاع نور العلم والمعرفة بين كوادر الشباب القبطى..." واستمرت مدارس الأحد تؤدى الرسالة السامية حتى تألفت لجنة لإدارة شئونها نظراً لاتساعها وانتشارها، وتكونت تلك اللجنة من الايغومانوس بطرس عبد الملك رئيساً وحبيب جرجس مديراً للتعليم وإبراهيم تكلا مفتشاً عاماً ويوسف جرجس سكرتيراً عاماً, واتخذت من الكلية الإكليركية بمهمشة مقراً لها. وفى عام 1927 أعيد تكوين اللجنة العامة لمدارس الأحد من عشرين عضواً كان من بينهم أربعة كهنة والباقى من العلمانيين, ووصل عدد الدروس فى تلك السنة حوالى تسعة آلاف درس وامتدت الفروع حتى بلغت 85 فرعاً بين الوجه القبلى والبحرى والقاهرة وثلاثة بالسودان, وعقدت تلك اللجنة أول مؤتمر لها فى عام 1941 حضره خمسمائة خادم من خمسين فرعاً, وهدف المؤتمر إلى مواصلة السعى فى تعميم مدارس الأحد وإنشاء مكتبة لكل فرع وتوحيد دروس مدارس الأحد فى جميع الفروع. وقال البابا يوساب الثانى عن مدارس الأحد: "إنها تعد من أشد العوامل فى تغيير الأخلاق وتجديد الحياة الروحية, فلا نزاع فى أن إحضار الأولاد الأطفال من فجر حياتهم إلى المسيح وتعويدهم على الفضيلة منذ نعومة أظافرهم أفيد بكثير للكنيسة, لذلك رأينا أن نوجه أنظاركم للعناية بمدارس الأحد حتى نستطيع بناء جيل جديد قوي فى الإيمان راسخ فى المبادئ" هكذا نشأت مدارس الأحد التى استطاعت ترسيخ مبادئها فى نفوس الرعيل الأول من أبنائها. ولكن يدور السؤال: هل لازالت مدارس الأحد تقوم بدورها بالفعل؟ وهل نجحت فى تحقيق مساعى وآمال روادها الذين عانوا من أجل نشأتها؟ أم هى تحتاج لإصلاح آخر؟ المراجع:1- مدارس الأحد كيف نشأت وكيف تفشت الأنبا غبريال أسقف دير الأنبا أنطونيوس2- المدرسة الإكليركية بين الماضى والحاضر3- مجلة مدارس الأحد العدد الأول4- رسالة نهضة الكنائس 1940
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق